د . الاختلاف في كسر حرف المضارعة " التلتلة " وعدمه :
أحرف المضارعة الاربعة الهمزة والنون والياء والتاء ، مضمومة في المضارع الرباعي ومفتوحة في المضارع الثلاثي والخماسي والسداسي كما نعلم . وقد عرفنا ان الفتحة التي تسود حرف المضارعة في معظم صيغ الفعل المضارع هي اخف اصوات اللين القصيرة وأوضحها . ويبدو ان كثيرأ من القبائل العربية مالت في لهجتها الى كسر حرف المضارعة ، في حين امتنع اهل الحجاز عن ذلك ، وحافظوا على الفتحة .
واذا كان بعض المصادر ينسب هذه الظاهرة التي سموها بالتلتلة الى بهراء التي هي عمارة من قضاعة اليمينية فان بعضا مهما منها ينسبها الى جميع العرب الا اهل الحجاز .
يقول سيبويه : " باب ما تكسر فيه اوائل الافعال المضارعة للأسماء كما كسرت ثاني الحرف حين قلت : فَعِلَ ، وذلك في لغة جميع العرب الا اهل الحجاز وذلك قولهم : أنتَ تِعلم ذاك ، وانا إعلم ، وهي تِعلم ، ونحن نِعلم ، وكذلك كل شيء فيه فَعِلَ من بنات الياء الواو التي الواو والياء فيهن لام او عين والمضاعف وذلك قولك : شقيتَ فانت تشقى ، وخشيتُ فأنا إِخشى ، وخلنا فنحن نِخال ، وغضضتن فأنتن تِغضضنَ ، وانتِ تِغضين " " 27 " .
ويقول صاحب اللسان : " وتِعلم بالكسر لغة قيس وتميم وأسد وربيعة وعامة العرب ، واما اهل الحجاز وقوم من اعجاز هوازن وازد السراة وبعض هذيل فيقولون تَعلم ، والقرآن عليها . قال : وزعم الاخفش ان كل من ورد علينا من الاعراب لم يقل الا تِعلم بالكسر " " 28 ".
وقد لاحظ بعض الباحثين المحدثين ان هذه الظاهرة سامية قديمة توجد في العبرية والسريانية والحبشية وقال : " والفتح في احرف المضارعة حادث في رأيي في العربية القديمة بدليل عدم وجوده في اللغات السامية الأخرى وبدليل ما بقي من الكسر في بعض اللهجات العربية القديمة وهناك دليل ثالث على اصالة الكسر في حروف المضارعة وهو استمراره حتى الآن في اللهجات العربية الحديثة كلها " " 29 "
خامسا : أصوات الضمير
الضمير أو المضمر ، ويسميه الكوفيون الكناية ، والمكني ، وهو أعرف المعارف على الصحيح " 30 " وهو اسم جامد مبني يدل على متكلم ك أنا ، ونحن ، أو مخاطب ك أنت ، وأنتما ، أو غائب ك هو ، وهما . ولا يعنينا في هذا البحث أحكام الضمير النحوية ، ولا تصريفه مع الأفعال وإنما الذي يعنينا هو الناحية المتعلقة بأصواته . ومن الطريف قبل البدء من هذه الناحية أن نشير إلى ما لاحظه ابن هشام من أن الضمير " سمي مضمرا من قولهم : أضمرت الشيء اذا سترته وأخفيته ومنه قولهم : أضمرت الشيء في نفسي ، أو من المضمور والهزال ، لأنه في الغالب قليل الحروف ، ثم تلك الحروف الموضوعة له غالبا مهموسة وهي التاء والكاف والهاء والهمس هو الصوت الخفي " " 31 ".
أ . ضمير المفرد المتكلم أنا :
اختلف القراء العشرة في اثبات الألف في أنا وحذفها إذا أتى بعدها همزة مضمومة أو مفتوحة أو مكسورة ، فقرأ المدنيان ( نافع وأبو جعفر ) باثباتها عند المضمومة والمفتوحة ، نحو :
" أنا أول ، أنا انبئكم ، أنا آتيك ". وأختلف عن قالون "32 " عند المكسورة نحو : " إن أنا إلا " فروى بعضهم اثباتها عندها ، وروى بعضهم حذفها ، أما سائر العشرة فقرأوا بحذف الألف وصلاً في الأحوال الثلاثة ولا خلاف في اثباتها وقفاً . وقد ذكر النحاة أن في ألف الضمير أنا خمس لغات :
أفصحها إثبات ألفه وقفاً وحذفها وصلاً وهي لغة أهل الحجاز كما ذكر السيوطي " 33 " .
والثانية إثباتها وصلاً ووقفا وهي لغة تميم
والثالثة " هنا " بابدال الهمزة هاء
والرابعة " آنَ " بمد بعد الهمزة
والخامسة " أن " كعن ، وقد حكاها قطرب " 34 "
يُستنتج من هذا أن قراءة المدنيين الحجازيين مخالفة للهجة الفصحى ، وهي لهجة الحجاز ، فيما يتصل بضمير المفرد المتكلم " أنا " ، وموافقة لهجة تميم وهو الأمر الذي استغربه الدكتور عبده الراجحي قائلاً : " المشهور عن تميم أنها قبيلة بادية تميل إلى السرعة في الكلام ، حتى نسب إليها حذف بعضه ، لكننا إذا نظرنا لهذه الظاهرة من ناحية أخرى ، وهي أن الروايات التي تثبت الألف في " أنا " وردت في قراءات بعدها همزة ، فقد يكون محتملا أن تميما _ وهي من القبائل المشهورة بالهمز _ كانت تثبت هذه الألف توصلا إلى تحقيق الهمز . إلا أنه وردت على هذه اللهجة شواهد بثبوت ألف " أنا " في الوصل دون أن يكون بعدها همز كقول شاعرهم:
أنا سيف العشيرة فاعرفوني .
حميد قد تذريت السناما " 35 "
حميد قد تذريت السناما " 35 "
ب . ياء المتكلم :
ياء المتكلم ضمير يتصل بالإسم والفعل والحرف ، وهي من الضمائر المشتركة بين محلي النصب والجر ، فهي مع الفعل منصوبة المحل ، ومع الحرف منصوبته أو مجرورته بحسب عمل الحرف ، وهي مع الاسم مجرورة المحل نحو : " فطرني " ، " ليحزنني " ، " إني " ، " لي " ، " نفسي " ، " ذكري " . وقد تعوّد مؤلفو القراءات أن يبحثوا في اختلافات القرّاء بشأنها من باب سموه " مذاهبهم في ياءات القراءة " رغم أنها تأتي أحيانا منصوبة المحل غير مضاف إليها نحو : " إني " ، " آتاني " ، وذلك على سبيل التجوز . وتعودوا كذلك أن يخصصوا بعد هذا الباب لمذاهبهم في " ياءات الزوائد " نحو : " إذا يسر " ، و " يوم يأتِ " ، " الداع " ، " دعان " ، " يهدين " .
والفرق بين هذين النوعين من الياءات أمران :
أحدهما : أن ياءات الإضافة هي ياءات زائدة على الكلمة وليس على الأصول ، وعلامتها صحة إحلال الكاف أو الهاء محلها ، فتقول في نحو : فطرني : فطرك ، فطره .
أما ياءات الزوائد فقد تكون أصلية ، فتجيء لاماً من الكلمة كما في نحو : " إذا يسر " و " الداع " وقد تكون زائدة ، كما في نحو : " دعان " و " يهدين " .
والثاني : أما اختلافهم في ياءات الإضافة جار بين الفتح والإسكان ، أما اختلافهم في ياءات الزوائد فجارٍ بين حذفها وإثباتها ، لذلك سنقصر كلامنا على ما سموه بياءات الاضافة .
وياءات الإضافة في القرآن الكريم ثلاثة انواع :
1 . ما أجمعوا على إسكانه وهو الأكثر لمجيئه على الأصل نحو : " إني جاعل " ، " أني فضلتكم " ، " يميتني " .
2 . ما أجمعوا على فتحه ، وذلك لموجب : إما أن يكون بعد الياء ساكن لام تعريف أو شبهه ، وجملته 11 كلمة نحو :
" نعمتي التي " ، " مسني السوء " ، " ربي الله " الخ .
3 . ما اختلفوا في إسكانه وفتحه . وجملة هذا النوع 212 ياء .
وتوزع كتب القراءات اختلافهم على ستة فصول .
الأول : الياءات التي بعدها همزة مفتوحة ، وجملة ذلك في القرآن الكريم 99 ياء نحو : " إني أعلم " ، " فاذكروني أذكركم " .
ففتح في هذه المواضع نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبو جعفر ، وأسكنها الباقون .
الثاني : الياءات التي بعدها همزة مكسورة ، وجملة ذلك في القرآن الكريم 52 ياءً نحو : " مني إلا " ، " أنصاري إلى الله " .
ففتح الياء نافع ، وأبو عمرو ، أبو جعفر ، وأسكنها الباقون ، إلا أنهم اختلفوا في 24 ياء على غير هذا الاختلاف .
الثالث : الياءات التي بعدها همزة مضمومة ، وجملة ذلك 10 ياءات ، نحو : " إني اعيذها " ، " عذابي أصيب " . ففتح الياء نافع ، وأبو جعفر ، واختلف عن أبي جعفر في قراءة " إني أوفي " واتفقوا على إسكان ياءين من هذا الفصل وهما " بعهدي أوفِ " و " آتوني أفرغ " قيل لكثرة حروفهما .
الرابع : الياءات التي بعدها همزة وصل مع لام التعريف ، وجملة ذلك 14 ياء ، نحو : " لا ينال عهدي الظالمين " ، " حرم ربي الفواحش " . فاختص حمزة بإسكان ياءاتها كلها ، ووافقه ابن عامر ، والكسائي ، ويعقوب ، وخلف في بعضها على اختلاف فيما بينهم .
الخامس : الياءات التي بعدها همزة وصل مجردة عن اللام وجملة ذلك سبع ياءات نحو : " إني اصطفيتك " " أخي اشدد " " من بعدي اسمه " ففتح نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب بعضها دون اتفاق بينهم مجتمعين على مواضع الفتح هذه .
السادس : الياءات التي لم يقع بعدها همزة قطع ولا وصل بل حرف من باقي حروف المعجم وجملة ذلك ثلاثون ياءً نحو : " بيتي للطائفين " " وجهي لله " " ومحياي ومماتي لله " " معي بني إسرائيل " " ولي دين " ففتح نافع وأبو جعفر وابن عامر وابن كثير بعضها دون اتفاق بينهم مجتمعين على مواضع الفتح .
بستنتج من ذلك على الإجمال ميل بعض القرّاء وهم خصوصا قرّاء البيئة الحجازية نافع وابن كثير وأبو جعفر ومعهم أبو عمرو قارىء البصرة إلى فتح ياء المتكلم في المواضع المُختلف على فتحها واسكانها وميل الباقين من قراء البيئة العراقية إلى الإسكان .
ج . ضمير الغيبة :
يمكن ههنا تلخيص اختلافهم على النحو التالي :
أ . قرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة " وهُو ، فهُو ، لهُو ، ثم هُوَ ، فهي ، وهي "
بتحريك الهاء المسبوقة بلام أو واو أو فاء أو ثم ، وقرأ أبو عمرو والكسائي وأبو جعفر بإسكان الهاء واختلاف عن نافع .
ويبدو أن إسكان الهاء من " هو " و " هي " يقتصر على هذه الحالة التي يسبق الهاء فيها أحد الحروف المذكورة وما اشبهها كهالمزة في مثل قول الشاعر :
ياء المتكلم ضمير يتصل بالإسم والفعل والحرف ، وهي من الضمائر المشتركة بين محلي النصب والجر ، فهي مع الفعل منصوبة المحل ، ومع الحرف منصوبته أو مجرورته بحسب عمل الحرف ، وهي مع الاسم مجرورة المحل نحو : " فطرني " ، " ليحزنني " ، " إني " ، " لي " ، " نفسي " ، " ذكري " . وقد تعوّد مؤلفو القراءات أن يبحثوا في اختلافات القرّاء بشأنها من باب سموه " مذاهبهم في ياءات القراءة " رغم أنها تأتي أحيانا منصوبة المحل غير مضاف إليها نحو : " إني " ، " آتاني " ، وذلك على سبيل التجوز . وتعودوا كذلك أن يخصصوا بعد هذا الباب لمذاهبهم في " ياءات الزوائد " نحو : " إذا يسر " ، و " يوم يأتِ " ، " الداع " ، " دعان " ، " يهدين " .
والفرق بين هذين النوعين من الياءات أمران :
أحدهما : أن ياءات الإضافة هي ياءات زائدة على الكلمة وليس على الأصول ، وعلامتها صحة إحلال الكاف أو الهاء محلها ، فتقول في نحو : فطرني : فطرك ، فطره .
أما ياءات الزوائد فقد تكون أصلية ، فتجيء لاماً من الكلمة كما في نحو : " إذا يسر " و " الداع " وقد تكون زائدة ، كما في نحو : " دعان " و " يهدين " .
والثاني : أما اختلافهم في ياءات الإضافة جار بين الفتح والإسكان ، أما اختلافهم في ياءات الزوائد فجارٍ بين حذفها وإثباتها ، لذلك سنقصر كلامنا على ما سموه بياءات الاضافة .
وياءات الإضافة في القرآن الكريم ثلاثة انواع :
1 . ما أجمعوا على إسكانه وهو الأكثر لمجيئه على الأصل نحو : " إني جاعل " ، " أني فضلتكم " ، " يميتني " .
2 . ما أجمعوا على فتحه ، وذلك لموجب : إما أن يكون بعد الياء ساكن لام تعريف أو شبهه ، وجملته 11 كلمة نحو :
" نعمتي التي " ، " مسني السوء " ، " ربي الله " الخ .
3 . ما اختلفوا في إسكانه وفتحه . وجملة هذا النوع 212 ياء .
وتوزع كتب القراءات اختلافهم على ستة فصول .
الأول : الياءات التي بعدها همزة مفتوحة ، وجملة ذلك في القرآن الكريم 99 ياء نحو : " إني أعلم " ، " فاذكروني أذكركم " .
ففتح في هذه المواضع نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبو جعفر ، وأسكنها الباقون .
الثاني : الياءات التي بعدها همزة مكسورة ، وجملة ذلك في القرآن الكريم 52 ياءً نحو : " مني إلا " ، " أنصاري إلى الله " .
ففتح الياء نافع ، وأبو عمرو ، أبو جعفر ، وأسكنها الباقون ، إلا أنهم اختلفوا في 24 ياء على غير هذا الاختلاف .
الثالث : الياءات التي بعدها همزة مضمومة ، وجملة ذلك 10 ياءات ، نحو : " إني اعيذها " ، " عذابي أصيب " . ففتح الياء نافع ، وأبو جعفر ، واختلف عن أبي جعفر في قراءة " إني أوفي " واتفقوا على إسكان ياءين من هذا الفصل وهما " بعهدي أوفِ " و " آتوني أفرغ " قيل لكثرة حروفهما .
الرابع : الياءات التي بعدها همزة وصل مع لام التعريف ، وجملة ذلك 14 ياء ، نحو : " لا ينال عهدي الظالمين " ، " حرم ربي الفواحش " . فاختص حمزة بإسكان ياءاتها كلها ، ووافقه ابن عامر ، والكسائي ، ويعقوب ، وخلف في بعضها على اختلاف فيما بينهم .
الخامس : الياءات التي بعدها همزة وصل مجردة عن اللام وجملة ذلك سبع ياءات نحو : " إني اصطفيتك " " أخي اشدد " " من بعدي اسمه " ففتح نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب بعضها دون اتفاق بينهم مجتمعين على مواضع الفتح هذه .
السادس : الياءات التي لم يقع بعدها همزة قطع ولا وصل بل حرف من باقي حروف المعجم وجملة ذلك ثلاثون ياءً نحو : " بيتي للطائفين " " وجهي لله " " ومحياي ومماتي لله " " معي بني إسرائيل " " ولي دين " ففتح نافع وأبو جعفر وابن عامر وابن كثير بعضها دون اتفاق بينهم مجتمعين على مواضع الفتح .
بستنتج من ذلك على الإجمال ميل بعض القرّاء وهم خصوصا قرّاء البيئة الحجازية نافع وابن كثير وأبو جعفر ومعهم أبو عمرو قارىء البصرة إلى فتح ياء المتكلم في المواضع المُختلف على فتحها واسكانها وميل الباقين من قراء البيئة العراقية إلى الإسكان .
ج . ضمير الغيبة :
يمكن ههنا تلخيص اختلافهم على النحو التالي :
أ . قرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة " وهُو ، فهُو ، لهُو ، ثم هُوَ ، فهي ، وهي "
بتحريك الهاء المسبوقة بلام أو واو أو فاء أو ثم ، وقرأ أبو عمرو والكسائي وأبو جعفر بإسكان الهاء واختلاف عن نافع .
ويبدو أن إسكان الهاء من " هو " و " هي " يقتصر على هذه الحالة التي يسبق الهاء فيها أحد الحروف المذكورة وما اشبهها كهالمزة في مثل قول الشاعر :
فقمت للزور مرتاعا فأرقني
فقلتُ أهيَ سرتْ أم عادني حلم
فقلتُ أهيَ سرتْ أم عادني حلم
كما يبدو أن هذا الاسكان لهجة وليس ضرورة شعرية كما ذكر أصحاب الضرائر بدليل هذه القراءات التي جاء فيها الإسكان " 36 " . أما تعليل هذا الإسكان فهو توالي أحرف اللين القصيرة .
ب . قرأ ابن عامر ونافع باختلاس حركة الهاء في قوله تعالى " بقنطار يؤدِّه إليك " وقوله : " نولّه ما تولى ونصله جهنم " وما شاكل ذلك. وقرأ ابن كثير والكسائي باشباع الكسرة ولفظه كالياء بعد الهاء. وقرأ عاصم برواية أبي بكر وأبو عمرو وحمزة " نولِّهْ " و " نصلهْ " بالإسكان . " 37 "
ويذكر النحاة أن هاء الغائب أصلها الضم كضربه وله وعنده وتُكسر بعد الكسرة نحو : مرّ به و لم يعطه، وبعد الياء الساكنة نحو فيه وعليه ويرميه ما لم تتصل بضمير آخر فإنها تُضم نحو : يعطيهموه ، ولم يعطيهموه ، فإن فصل بين الهاء والكسر ساكن قلّ كسرها ومنه قراءة ابن ذكوان : " أرجئهِ وأخاه " . وكسرها في هاتين الصورتين هو لهجة غير الحجازيين ، أما الحجازيون فلغتهم ضم الهاء الغائب مطلقاً وبها قرأ حفص : " وما أنسانيهُ " " بما عاهد عليهُ الله " .
ج . واختلفوا في ضم الهاء وكسرها من ضمير التثنية والجمع اذا وقعت بعد ياء ساكنة نحو : عليهم ، إليهم ، لديهم ، عليهما ، إليهما ، فيهما ، عليهن ، إليهن ، فيهن ، أبيهم ، ترميهم ن وبين أيديهن . وشبه ذلك، فقرأ يعقوب جميع ذلك بضم الهاء ووافقه حمزة في عليهم وإليهم ولديهم فقط. واختلفوا في صلة ميم الجمع بواو وإسكانها إذا وقعت قبل محرك نحو : " أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم " " ومما رزقناهم ينفقون " " عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون " " على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب .. ".
فضم الميم في جميع ذلك ووصلها بواو في اللفظ وصلاً ابن كثير وأبو جعفر وقرأ الباقون بإسكان الميم في جميع القرآن وأجمعوا على إسكانها وقفاً " 38 "
سادساً : الإظهار والإدغام
الإظهار في الإصطلاح هو إخراج كل حرف من مخرجه من غير غنة في الحرف المظهر. والإدغام في اصطلاح القدماء رفعك اللسان ووضعك إياه بالحرفين دفعة واحدة بعد إدخال أحدهما في الآخر " 39 " أو هو اللفظ بحرفين حرفا كالثاني مشدداً " 40 " . وقد قسموه إلى :
1 . إدغام كبير وهو ما كان فيه الحرفان المدغم والمدغم فيه متحركين سواءً أكانا مثلين أم جنسين أم متقاربين أي أن ثمة صوت لين قصيراً يفصل بين الصوتين الساكنين نحو " شهر رمضان "
2 . إدغام صغير وهو ما كان فيه الحرف الأول ساكناً والثاني متحركاً أي أن الصوتين الساكنين يتجاوران فيه دونما فاصل من أصوات اللين نحو : " فما ربحت تجارتهم ". وقد سُمي الكبير كبيراً لكثرة وقوعه إذ الحركة أقوى من السكون وقيل لتأثيره في إسكان المتحرك قبل إدغامه وقيل لما فيه من الصعوبة وقيل لشموله نوعي المثلين والجنسين والمتقاربين. والإدغام عند المحدثين نوع من التأثير الذي يقع في الأصوات المتجاورة اذا كانت متماثلة أو متجانسة أو متقاربة :
فالتماثل هو اتفاق الصوتين في المخرج والصفات معاً كالباء والباء في نحو : " اضرب بعصاك الحجر "
والتجانس اتفاق الصوتين في المخرج دون جميع الصفات كالدال والتاء في نحو : " قد تبين الرشد من الغي ". والتقارب تقارب الصوتين في المخرج واتفاقهما في بعص الصفات كالذال والزاي في نحو : " وإذ زين لهم الشيطان اعمالهم ". والإدغام الصغير يمكن تلخيص أهم اختلافات القراء فيه على النحو الآتي:
1 . تاء التأنيث عند ستة أحرف هي : التاء نحو : " كذبت ثمود " والجيم نحو " نضجت جلودهم " والظاء نحو " وكانت ظالمة " والسين نحو " وجاءت سيارة " والصاد نحو " حصرت صدورهم " والزاي نحو " خبت زدناهم ". فأدغمها في هذه الحروف أبو عمرو وحمزة والكسائي وأظهرها ابن كثير وعاصم وأبو جعفر ويعقوب.
2 . الباء الساكنة عند الفاء وذلك في خمسة مواضع هي قوله تعالى : " أو يغلب فسوف " وقوله " وإن تعجب فعجب " وقوله " قال اذهب فمن " وقوله " فاذهب فإن لك " وقوله " ومن لم يتب فأولئك "
أدغم الباء في الفاء فيها أبو عمرو والكسائي .
3 . الباء عند الميم في قوله تعالى " يعذب من يشاء " أدغم أبو عمرو والكسائي وخلف وأما ابن كثير وحمزة فروي لهما الإدغام والإظهار وقرأ الباقون من الجازمين بالإظهار وجها واحداً .
4 . الباء عند الميم في قوله تعالى : " اركب معنا " أدغم أبو عمرو والكسائي ويعقوب واختلف عن ابن كثير وعاصم وقرأ الباقون بالاظهار .
5 . الفاء عند الباء في قوله تعالى : " نخسف بهم " فأدغم الكسائي وأظهر الباقون .
6 . الراء عند اللام نحو " واصطبر لعبادته " ونحو " أن اشكر لي " فأدغم أبو عمرو في إحدى الروايات واختلف عنه في رواية أخرى فروى بعض عنه بالإدغام وروى آخرون بالإظهار .
7 . الدال عند الثاء في قوله تعالى : " ومن يرد ثواب الدنيا " وقوله " من يرد ثواب الآخرة " فأدغم أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وخلف وأظهر الباقون .
8 . الثاء في الذال في موضع واحد " يلهث ذلك " فأظهر نافع وابن كثير وأبو جعفر وعاصم على اختلاف عنهم فيه وأدغم الباقون .
9 . الذال في التاء إذا وقع قبل الذال خاء نحو " اتخذتم العجل " ونحو " قل افاتخذتم " فأظهر الذال ابن كثير وحفص .
10 . الذال في التاء في " فنبذتها " فأدغم أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف .
11 . الذال في التاء في " عذت بربي " فأدغمها أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو جعفر وخلف .
12 . الثاء في التاء في " لبثتم " ، فأدغمه أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وجعفر وأظهره الباقون.
13 . الثاء في التاء أيضاً من " اورثتموها " فأدغمها ابو عمرو وحمزة والكسائي وأظهر الباقون .
14 . الدال في الذال من " ص ذكر " في اول سورة مريم فأدغمها أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وخلف وقرأ الباقون بالاظهار .
15 . النون في الواو من " يس والقرآن " ومن " ن والقلم " فأدغمها الكسائي ويعقوب وخلف واختلف عن نافع وعاصم وقرأ بالاظهار كل من أبي عمرو وحمزة وأبي جعفر .
16 . النون عند الميم من " طسم " أول الشعراء والقصص فأظهر النون عندها حمزة وأبو جعفر وقرأ الباقون بالاظهار .
هذا يعني أن الإدغام كان من خصائص اللهجات البدوية في حين كان الإظهار من لهجات القبائل المتحضرة التي استقرت في الحجاز. ويعلل بعض الباحثين هذه الظاهرة تعليلا اجتماعيا فيرون أن القبائل البدوية تميل إلى السرعة في نطقها وتلمس أيسر السبل فتدغم الأصوات بعضها في بعض وتسقط منها ما يمكن الإستغناء عنه دون إخلال بفهم السامع ولا شك أن حياة السكينة والهدوء في البادية لا تتطلب نشاطا كذلك الذي قد تحتاج إليه حياة الحضر لما بها من صخب وأمور دنيوية معقدة. فالحضري يعنى بتخيير لفظه وحسن أدائه ويعمد إلى نطق كل صوت دون تداخل بين الأصوات فالمجهور يظل مجهورا والمهموس يحافظ على همسه لأن من مظاهر التحضر اللباقة في القول وحسن النطق ومراعاة القواعد وذلك هو ما شاع في البيئة الحجازية على العموم وفي مكة بصفة خاصة " 41 "
في الفتح والإمالة
لغةً: التمويج من أملت الرمح ونحوه إذا عوجته أو الإنحناء من أمال فلان ظهره إذا أحناه
واصطلاحاً : تقريب الفتحه من الكسره والألف من الياء من غير قلب خالص ولا إشباع مبالغ فيه. وتسمى بالإماله الكبرى و بالإضجاع.
ومن تعريفاتها أيضاً :
الإمالة إلى الشيء: التقريبُ منه، وهي في هذا الباب تقريبُ الألف من الياء، والفتحة قبلَها من الكسرة، والغرض من ذلك تجانُس الصوتين لسببٍ " 42 " .
يقول ابن الجزري في "النشر": "والإمالةُ أنْ تَنْحُوَ بالفتحة نحو الكسرة، وبالألف نَحْوَ الياءِ (كَثِيرًا) وهو المَحْض، ويُقال له: الإضْجَاعُ، ويُقال له: البطْحُ، ورُبَّمَا قِيلَ له: الكسرُ أيضًا، (وقَلِيلاً) وهو بين اللَّفْظَيْنِ، ويُقال له أيضًا: التَّقليلُ، والتَّلْطِيفُ، وبَيْنَ بَيْنَ. والواقع أن الإمالة في اللهجات العربية لم تقتصر على النحو بالفتحة إلى الكسرة ، وإن كان النحاة قد قصروا اهتمامهم على هذا النوع من الإمالة لشهرته وانتشاره .
فقد أشارت بعض المصادر إلى ثلاثة أنواع أخرى من الإمالة :
الأول : إمالة الفتح إلى الضم وقد أشار إليها ابن جني بقوله : " وأما ألف التفخيم فهي التي تجدها بين الألف وبين الواو ، نحو قولهم : سلام عليه ، وقام زيد . وعلى هذا كتبوا الصلوة والزكوة والحيوة بالواو ، لأن الألف مالت نحو الواو " " 43 "
الثاني : هو الكسرة المشوبة بالضمة وفيها يقول ابن جني : " وأما الكسرة المشوبة بالضمة فنحو : قيل ، وبيع ، وغيض ، وسيق ، كما أن الحركة قبل هذه الياء مشوبة بالضمة فالياء بعدها مشوبة بروائح الواو " " 44 "
الثالث : الضمة المشوبة بالكسرة " كأن يمال بمثل " بوع " نحو الكسرة . وهذه اللهجة أقل اللهجات شيوعاً وانتشارا وان كانت رويت بين لهجات العرب " " 45 "
أسباب الإمالة
للأمالة تسعة أسباب :
الأول : أن تكون الألف مبدلة من ياء متطرفة حقيقة نحو : فتى ، مرمى ، أو تقديراً نحو فتاة لتقدير انفصال تاء التأنيث .
الثاني : أن تُؤول إلى الياء في بعض التصاريف نحو : ملهى ، حبلى ، فإننا نقول عند تثنيتها ملهيان وحبليان . ونحو تلا ، ودعا ، فإننا نقول في بنائها للمجهول : تُلي ، دُعي .
الثالث : أن تكون مبدلة من عين ما يُقال فيه " فِلتُ " نحو خاف ، فعند إسنادها إلى التاء تصبح خِفتُ ، بخلاف قال وعاد وراح .
الرابع : أن تقع قبل الياء نحو : بايع وساير
الخامس : أن تقع بعد ياء متصلة أو منفصلة بحرف أو حرفين أحدهام هاء ، نحو عيان وشيبان ، دخلت بيتها .
السادس : أن تكون متقدمة على كسرة تليها نحو : عالم ، مساجد أو متأخرة عنها بحرف نحو : كتاب ، أو متاخرة عنها بحرفين متحركين ثانيهما هاء وأولهما غير مضموم نحو : يريد أن يضربها ، أو أولهما ساكن نحو : سربال أو بثلاثة أحرف أحدها الهاء نحو : درهماك . ولا تجوز الإمالة في نحو : كُل عنباً ، لأن بين الكسرة والألف حرفين ليس ثانيهما هاء . ولا تجوز في " هو يضربها " مع أن بينهما حرفين ثانيهما هاء وذلك لأن أول الحرفين مضموم .
السابع : مجاورة الممال ، وذلك أن تُمال فتحة في كلمة لإمالة فتحة أخرى فيها أو في ما هو كالجزء لها نحو : نحو رأيت عماداً ، أميلت فتحة الدال وفقاً لإمالة فتحة الميم .
الثامن : مراعاة الفواصل كما في قوله تعالى في سورة الضحى : " والضحى والليل إذا سجى وما ودعك ربك وما قلى " أميلت فتحة الضحى في بعض القراءات لمراعاة قلى وما بعده من رؤوس الآي ( جمع آية )، والقياس فيها ألا تمال لأن الألف بعدها منقلبة عن واو. وقد سموا الإمالة للسببين السابقين : الإمالة للإمالة " 46 "
التاسع : كثرة الإستعمال : كإمالة الأعلام نحو الحجاج والعجاج .
موانع الإمالة
يمنع الإمالة مانعان :
الأول : الراء بشرط ألا تكون مكسورة وان تتصل بألف قبلها نحو : راشد وفراش ، أو بعدها نحو : هذا جدار. فإن كانت الراء مكسورة نحو : مارِد ، أو غير متصلة بالألف نحو : هذا عامر ، لم تمنع الإمالة.
الثاني : حروف الإستعلاء : الصاد ، والضاد ، والطاء ، والظاء ، والخاء ، والغين ، والقاف ، سواء تقدمت على الألف أم تأخرت عنها " 47 ". و من حيث ورودها أو تركها عند القراء ، فمنهم من تركه بالمجمل ومنهم من أكثر فيه ومنهم من لم يمل إلا القليل من الكلمات، وما انسحب على الإدغام ينسحب على الإمالة فالذين أكثروا من الإمالة هم قرّاء البيئة العراقية وهم تحديداً : أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف وهم أنفسهم وجدناهم يميلون إلى الإدغام ومال معهم حمزة قارىء الشام. ولا يختلف الأمر كثيراً حين نقارن القبائل التي أمالت بالقبائل التي أدغمت ، فهي في الحالين تلك القبائل البادية التي نزلت وسط الجزيرة وشرقيها في نجد وقد نزح عدد منها إلى العراق . ومن الطبيعي أن نستنتج هنا مثلما استنتجنا أثناء دراسة الإدغام أن الإمالة كانت من لهجات القبائل البدوية في حين كان الفتح من لهجات القبائل المتحضرة التي استوطنت الحجاز والتي لم تمل إلا في مواضع قليلة. ويتفق المحدثون من الباحثين مع القدامى في تحديد فائدة الإمالة من الناحية الصوتية .
يقول ابن الجزري : " وأما فائدة الإمالة فهي سهولة اللفظ ، وذلك أن اللسان يرتفع بالفتح وينحدر بالإمالة ، والإنحدار أخف على اللسان من الإرتفاع ، فلهذا أمال من أمال . وأما من فتح فإنه راعى كون الفتح أمتن أو الأصل " 48 ". ويقول الدكتور إبراهيم أنيس : " ولا شك أن الإنتقال من الكسر إلى الفتح أو العكس يتطلب مجهودا عضلياً أكبر مما لو انسجمت أصوات اللين بعضها مع بعض بأن تصبح متشابهة ، لأن حركة الإمالة أقرب منها إلى الفتحة " " 49 ". ويقول الدكتور عبده الراجحي : " إن اهل البادية يميلون في كلامهم إلى الإقتصاد في المجهود العضلي ، والإمالة تحقق لهم ذلك بما فيها من انسجام بين الأصوات " " 50 ".
يبقى أن نؤكد أن الذين اعتادوا على الإمالة من الصغر فإنه من العسير عليهم أن ينتقلوا إلى الفتح ، الأمر نفسه ينطبق على الذين اعتادوا الفتح منذ الصغر فأنه صار جزءا من تركيبهم الصوتي والنحو لغيره فيه مشقة صوتية وجهد عضلي ليس باليسير . والجدير ذكره أن الفتح والإمالة قد انتقلا إلى لهجاتنا الحديثة فلم تعد الإمالة لهجة البدو ، ولا الفتح لهجة الحضر ، بعد أن غابت البداوة أو كادت في الشكل على الأقل عن حياتنا العربية المعاصرة وإنما أصبح كل منهما من الخاصائص الصوتية التي تشيع لدى أهل هذه المدينة أو تلك ، وتلك القرية أو غيرها
ب . قرأ ابن عامر ونافع باختلاس حركة الهاء في قوله تعالى " بقنطار يؤدِّه إليك " وقوله : " نولّه ما تولى ونصله جهنم " وما شاكل ذلك. وقرأ ابن كثير والكسائي باشباع الكسرة ولفظه كالياء بعد الهاء. وقرأ عاصم برواية أبي بكر وأبو عمرو وحمزة " نولِّهْ " و " نصلهْ " بالإسكان . " 37 "
ويذكر النحاة أن هاء الغائب أصلها الضم كضربه وله وعنده وتُكسر بعد الكسرة نحو : مرّ به و لم يعطه، وبعد الياء الساكنة نحو فيه وعليه ويرميه ما لم تتصل بضمير آخر فإنها تُضم نحو : يعطيهموه ، ولم يعطيهموه ، فإن فصل بين الهاء والكسر ساكن قلّ كسرها ومنه قراءة ابن ذكوان : " أرجئهِ وأخاه " . وكسرها في هاتين الصورتين هو لهجة غير الحجازيين ، أما الحجازيون فلغتهم ضم الهاء الغائب مطلقاً وبها قرأ حفص : " وما أنسانيهُ " " بما عاهد عليهُ الله " .
ج . واختلفوا في ضم الهاء وكسرها من ضمير التثنية والجمع اذا وقعت بعد ياء ساكنة نحو : عليهم ، إليهم ، لديهم ، عليهما ، إليهما ، فيهما ، عليهن ، إليهن ، فيهن ، أبيهم ، ترميهم ن وبين أيديهن . وشبه ذلك، فقرأ يعقوب جميع ذلك بضم الهاء ووافقه حمزة في عليهم وإليهم ولديهم فقط. واختلفوا في صلة ميم الجمع بواو وإسكانها إذا وقعت قبل محرك نحو : " أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم " " ومما رزقناهم ينفقون " " عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون " " على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب .. ".
فضم الميم في جميع ذلك ووصلها بواو في اللفظ وصلاً ابن كثير وأبو جعفر وقرأ الباقون بإسكان الميم في جميع القرآن وأجمعوا على إسكانها وقفاً " 38 "
سادساً : الإظهار والإدغام
الإظهار في الإصطلاح هو إخراج كل حرف من مخرجه من غير غنة في الحرف المظهر. والإدغام في اصطلاح القدماء رفعك اللسان ووضعك إياه بالحرفين دفعة واحدة بعد إدخال أحدهما في الآخر " 39 " أو هو اللفظ بحرفين حرفا كالثاني مشدداً " 40 " . وقد قسموه إلى :
1 . إدغام كبير وهو ما كان فيه الحرفان المدغم والمدغم فيه متحركين سواءً أكانا مثلين أم جنسين أم متقاربين أي أن ثمة صوت لين قصيراً يفصل بين الصوتين الساكنين نحو " شهر رمضان "
2 . إدغام صغير وهو ما كان فيه الحرف الأول ساكناً والثاني متحركاً أي أن الصوتين الساكنين يتجاوران فيه دونما فاصل من أصوات اللين نحو : " فما ربحت تجارتهم ". وقد سُمي الكبير كبيراً لكثرة وقوعه إذ الحركة أقوى من السكون وقيل لتأثيره في إسكان المتحرك قبل إدغامه وقيل لما فيه من الصعوبة وقيل لشموله نوعي المثلين والجنسين والمتقاربين. والإدغام عند المحدثين نوع من التأثير الذي يقع في الأصوات المتجاورة اذا كانت متماثلة أو متجانسة أو متقاربة :
فالتماثل هو اتفاق الصوتين في المخرج والصفات معاً كالباء والباء في نحو : " اضرب بعصاك الحجر "
والتجانس اتفاق الصوتين في المخرج دون جميع الصفات كالدال والتاء في نحو : " قد تبين الرشد من الغي ". والتقارب تقارب الصوتين في المخرج واتفاقهما في بعص الصفات كالذال والزاي في نحو : " وإذ زين لهم الشيطان اعمالهم ". والإدغام الصغير يمكن تلخيص أهم اختلافات القراء فيه على النحو الآتي:
1 . تاء التأنيث عند ستة أحرف هي : التاء نحو : " كذبت ثمود " والجيم نحو " نضجت جلودهم " والظاء نحو " وكانت ظالمة " والسين نحو " وجاءت سيارة " والصاد نحو " حصرت صدورهم " والزاي نحو " خبت زدناهم ". فأدغمها في هذه الحروف أبو عمرو وحمزة والكسائي وأظهرها ابن كثير وعاصم وأبو جعفر ويعقوب.
2 . الباء الساكنة عند الفاء وذلك في خمسة مواضع هي قوله تعالى : " أو يغلب فسوف " وقوله " وإن تعجب فعجب " وقوله " قال اذهب فمن " وقوله " فاذهب فإن لك " وقوله " ومن لم يتب فأولئك "
أدغم الباء في الفاء فيها أبو عمرو والكسائي .
3 . الباء عند الميم في قوله تعالى " يعذب من يشاء " أدغم أبو عمرو والكسائي وخلف وأما ابن كثير وحمزة فروي لهما الإدغام والإظهار وقرأ الباقون من الجازمين بالإظهار وجها واحداً .
4 . الباء عند الميم في قوله تعالى : " اركب معنا " أدغم أبو عمرو والكسائي ويعقوب واختلف عن ابن كثير وعاصم وقرأ الباقون بالاظهار .
5 . الفاء عند الباء في قوله تعالى : " نخسف بهم " فأدغم الكسائي وأظهر الباقون .
6 . الراء عند اللام نحو " واصطبر لعبادته " ونحو " أن اشكر لي " فأدغم أبو عمرو في إحدى الروايات واختلف عنه في رواية أخرى فروى بعض عنه بالإدغام وروى آخرون بالإظهار .
7 . الدال عند الثاء في قوله تعالى : " ومن يرد ثواب الدنيا " وقوله " من يرد ثواب الآخرة " فأدغم أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وخلف وأظهر الباقون .
8 . الثاء في الذال في موضع واحد " يلهث ذلك " فأظهر نافع وابن كثير وأبو جعفر وعاصم على اختلاف عنهم فيه وأدغم الباقون .
9 . الذال في التاء إذا وقع قبل الذال خاء نحو " اتخذتم العجل " ونحو " قل افاتخذتم " فأظهر الذال ابن كثير وحفص .
10 . الذال في التاء في " فنبذتها " فأدغم أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف .
11 . الذال في التاء في " عذت بربي " فأدغمها أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو جعفر وخلف .
12 . الثاء في التاء في " لبثتم " ، فأدغمه أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وجعفر وأظهره الباقون.
13 . الثاء في التاء أيضاً من " اورثتموها " فأدغمها ابو عمرو وحمزة والكسائي وأظهر الباقون .
14 . الدال في الذال من " ص ذكر " في اول سورة مريم فأدغمها أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وخلف وقرأ الباقون بالاظهار .
15 . النون في الواو من " يس والقرآن " ومن " ن والقلم " فأدغمها الكسائي ويعقوب وخلف واختلف عن نافع وعاصم وقرأ بالاظهار كل من أبي عمرو وحمزة وأبي جعفر .
16 . النون عند الميم من " طسم " أول الشعراء والقصص فأظهر النون عندها حمزة وأبو جعفر وقرأ الباقون بالاظهار .
هذا يعني أن الإدغام كان من خصائص اللهجات البدوية في حين كان الإظهار من لهجات القبائل المتحضرة التي استقرت في الحجاز. ويعلل بعض الباحثين هذه الظاهرة تعليلا اجتماعيا فيرون أن القبائل البدوية تميل إلى السرعة في نطقها وتلمس أيسر السبل فتدغم الأصوات بعضها في بعض وتسقط منها ما يمكن الإستغناء عنه دون إخلال بفهم السامع ولا شك أن حياة السكينة والهدوء في البادية لا تتطلب نشاطا كذلك الذي قد تحتاج إليه حياة الحضر لما بها من صخب وأمور دنيوية معقدة. فالحضري يعنى بتخيير لفظه وحسن أدائه ويعمد إلى نطق كل صوت دون تداخل بين الأصوات فالمجهور يظل مجهورا والمهموس يحافظ على همسه لأن من مظاهر التحضر اللباقة في القول وحسن النطق ومراعاة القواعد وذلك هو ما شاع في البيئة الحجازية على العموم وفي مكة بصفة خاصة " 41 "
في الفتح والإمالة
لغةً: التمويج من أملت الرمح ونحوه إذا عوجته أو الإنحناء من أمال فلان ظهره إذا أحناه
واصطلاحاً : تقريب الفتحه من الكسره والألف من الياء من غير قلب خالص ولا إشباع مبالغ فيه. وتسمى بالإماله الكبرى و بالإضجاع.
ومن تعريفاتها أيضاً :
الإمالة إلى الشيء: التقريبُ منه، وهي في هذا الباب تقريبُ الألف من الياء، والفتحة قبلَها من الكسرة، والغرض من ذلك تجانُس الصوتين لسببٍ " 42 " .
يقول ابن الجزري في "النشر": "والإمالةُ أنْ تَنْحُوَ بالفتحة نحو الكسرة، وبالألف نَحْوَ الياءِ (كَثِيرًا) وهو المَحْض، ويُقال له: الإضْجَاعُ، ويُقال له: البطْحُ، ورُبَّمَا قِيلَ له: الكسرُ أيضًا، (وقَلِيلاً) وهو بين اللَّفْظَيْنِ، ويُقال له أيضًا: التَّقليلُ، والتَّلْطِيفُ، وبَيْنَ بَيْنَ. والواقع أن الإمالة في اللهجات العربية لم تقتصر على النحو بالفتحة إلى الكسرة ، وإن كان النحاة قد قصروا اهتمامهم على هذا النوع من الإمالة لشهرته وانتشاره .
فقد أشارت بعض المصادر إلى ثلاثة أنواع أخرى من الإمالة :
الأول : إمالة الفتح إلى الضم وقد أشار إليها ابن جني بقوله : " وأما ألف التفخيم فهي التي تجدها بين الألف وبين الواو ، نحو قولهم : سلام عليه ، وقام زيد . وعلى هذا كتبوا الصلوة والزكوة والحيوة بالواو ، لأن الألف مالت نحو الواو " " 43 "
الثاني : هو الكسرة المشوبة بالضمة وفيها يقول ابن جني : " وأما الكسرة المشوبة بالضمة فنحو : قيل ، وبيع ، وغيض ، وسيق ، كما أن الحركة قبل هذه الياء مشوبة بالضمة فالياء بعدها مشوبة بروائح الواو " " 44 "
الثالث : الضمة المشوبة بالكسرة " كأن يمال بمثل " بوع " نحو الكسرة . وهذه اللهجة أقل اللهجات شيوعاً وانتشارا وان كانت رويت بين لهجات العرب " " 45 "
أسباب الإمالة
للأمالة تسعة أسباب :
الأول : أن تكون الألف مبدلة من ياء متطرفة حقيقة نحو : فتى ، مرمى ، أو تقديراً نحو فتاة لتقدير انفصال تاء التأنيث .
الثاني : أن تُؤول إلى الياء في بعض التصاريف نحو : ملهى ، حبلى ، فإننا نقول عند تثنيتها ملهيان وحبليان . ونحو تلا ، ودعا ، فإننا نقول في بنائها للمجهول : تُلي ، دُعي .
الثالث : أن تكون مبدلة من عين ما يُقال فيه " فِلتُ " نحو خاف ، فعند إسنادها إلى التاء تصبح خِفتُ ، بخلاف قال وعاد وراح .
الرابع : أن تقع قبل الياء نحو : بايع وساير
الخامس : أن تقع بعد ياء متصلة أو منفصلة بحرف أو حرفين أحدهام هاء ، نحو عيان وشيبان ، دخلت بيتها .
السادس : أن تكون متقدمة على كسرة تليها نحو : عالم ، مساجد أو متأخرة عنها بحرف نحو : كتاب ، أو متاخرة عنها بحرفين متحركين ثانيهما هاء وأولهما غير مضموم نحو : يريد أن يضربها ، أو أولهما ساكن نحو : سربال أو بثلاثة أحرف أحدها الهاء نحو : درهماك . ولا تجوز الإمالة في نحو : كُل عنباً ، لأن بين الكسرة والألف حرفين ليس ثانيهما هاء . ولا تجوز في " هو يضربها " مع أن بينهما حرفين ثانيهما هاء وذلك لأن أول الحرفين مضموم .
السابع : مجاورة الممال ، وذلك أن تُمال فتحة في كلمة لإمالة فتحة أخرى فيها أو في ما هو كالجزء لها نحو : نحو رأيت عماداً ، أميلت فتحة الدال وفقاً لإمالة فتحة الميم .
الثامن : مراعاة الفواصل كما في قوله تعالى في سورة الضحى : " والضحى والليل إذا سجى وما ودعك ربك وما قلى " أميلت فتحة الضحى في بعض القراءات لمراعاة قلى وما بعده من رؤوس الآي ( جمع آية )، والقياس فيها ألا تمال لأن الألف بعدها منقلبة عن واو. وقد سموا الإمالة للسببين السابقين : الإمالة للإمالة " 46 "
التاسع : كثرة الإستعمال : كإمالة الأعلام نحو الحجاج والعجاج .
موانع الإمالة
يمنع الإمالة مانعان :
الأول : الراء بشرط ألا تكون مكسورة وان تتصل بألف قبلها نحو : راشد وفراش ، أو بعدها نحو : هذا جدار. فإن كانت الراء مكسورة نحو : مارِد ، أو غير متصلة بالألف نحو : هذا عامر ، لم تمنع الإمالة.
الثاني : حروف الإستعلاء : الصاد ، والضاد ، والطاء ، والظاء ، والخاء ، والغين ، والقاف ، سواء تقدمت على الألف أم تأخرت عنها " 47 ". و من حيث ورودها أو تركها عند القراء ، فمنهم من تركه بالمجمل ومنهم من أكثر فيه ومنهم من لم يمل إلا القليل من الكلمات، وما انسحب على الإدغام ينسحب على الإمالة فالذين أكثروا من الإمالة هم قرّاء البيئة العراقية وهم تحديداً : أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف وهم أنفسهم وجدناهم يميلون إلى الإدغام ومال معهم حمزة قارىء الشام. ولا يختلف الأمر كثيراً حين نقارن القبائل التي أمالت بالقبائل التي أدغمت ، فهي في الحالين تلك القبائل البادية التي نزلت وسط الجزيرة وشرقيها في نجد وقد نزح عدد منها إلى العراق . ومن الطبيعي أن نستنتج هنا مثلما استنتجنا أثناء دراسة الإدغام أن الإمالة كانت من لهجات القبائل البدوية في حين كان الفتح من لهجات القبائل المتحضرة التي استوطنت الحجاز والتي لم تمل إلا في مواضع قليلة. ويتفق المحدثون من الباحثين مع القدامى في تحديد فائدة الإمالة من الناحية الصوتية .
يقول ابن الجزري : " وأما فائدة الإمالة فهي سهولة اللفظ ، وذلك أن اللسان يرتفع بالفتح وينحدر بالإمالة ، والإنحدار أخف على اللسان من الإرتفاع ، فلهذا أمال من أمال . وأما من فتح فإنه راعى كون الفتح أمتن أو الأصل " 48 ". ويقول الدكتور إبراهيم أنيس : " ولا شك أن الإنتقال من الكسر إلى الفتح أو العكس يتطلب مجهودا عضلياً أكبر مما لو انسجمت أصوات اللين بعضها مع بعض بأن تصبح متشابهة ، لأن حركة الإمالة أقرب منها إلى الفتحة " " 49 ". ويقول الدكتور عبده الراجحي : " إن اهل البادية يميلون في كلامهم إلى الإقتصاد في المجهود العضلي ، والإمالة تحقق لهم ذلك بما فيها من انسجام بين الأصوات " " 50 ".
يبقى أن نؤكد أن الذين اعتادوا على الإمالة من الصغر فإنه من العسير عليهم أن ينتقلوا إلى الفتح ، الأمر نفسه ينطبق على الذين اعتادوا الفتح منذ الصغر فأنه صار جزءا من تركيبهم الصوتي والنحو لغيره فيه مشقة صوتية وجهد عضلي ليس باليسير . والجدير ذكره أن الفتح والإمالة قد انتقلا إلى لهجاتنا الحديثة فلم تعد الإمالة لهجة البدو ، ولا الفتح لهجة الحضر ، بعد أن غابت البداوة أو كادت في الشكل على الأقل عن حياتنا العربية المعاصرة وإنما أصبح كل منهما من الخاصائص الصوتية التي تشيع لدى أهل هذه المدينة أو تلك ، وتلك القرية أو غيرها
0 komentar:
Posting Komentar