بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد ،،،
فما بين يديك – أيها القارئ الكريم – براهين وبينات في بيان أن العلامة المجدد المحدث محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله – برئ من كونه مرجئاً براءة الذئب من دم يوسف ، وبراءة أمنا أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر مما قذفها به الخاطئون .
كتبتها لأهل العدل والقسط ، دون أهل الظلم والجور ، ولأهل السنة السلفيين ، دون أهل البدعة الخلفيين . ممن التبس عليهم الأمر ، فإن هؤلاء إذا بان لهم الحق اتبعوه طمعاً في رضا الرب وما أعد لأهل الحق ، وخوفاً من سخط الرب وما أعد لمخالفي الحق .
وكن – أيها القارئ – وقّافاً ، وللحق تبّاعاً ، وللظلم والجور نكّاراً ، وعن أعراض المسلمين لا سيما العلماء الصادقين دفّاعاً ، فمن رد عن عرض أخيه المسلم رد الله عن وجهه النار يوم القيامة .
فهلموا طلاب الجنان ، والنجاة من النيران، للذب عن عرض هذا الإمام ، بالحق لا بالباطل والبهتان.
وقبل البيان والتدليل قدَّمت ببعض الفصول المتضمنة تعريفاً بعقيدة السلف في الإيمان ، وكذا عقيدة المرجئة الضالة ؛ إذ الحكم على الشيء فرع عن تصوره .
الفصل الأول / اعتقاد أهل السنة السلفيين في الإيمان :
هو الاعتقاد الذي جاء به القرآن ، والسنة الصحيحة ، مما كان عليه الصحابة والتابعون بإحسان، وهو يتلخص فيما يلي :
قول باللسان ، وعمل بالجوارح ، واعتقاد بالقلب ،والدليل على ذلك ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم:" الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة ، فأفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان " فالحديث صريح على أن القول كقول "لا إله إلا الله " ، والعمل "كإماطة الأذى عن الطريق "، والاعتقاد "كالحياء" من الإيمان (1).
فمن لم ينطق بكلمة التوحيد مع القدرة فهو كافر بالاتفاق(2) ، ومن لم يوجد في قلبه عمل القلب من أصل الخوف والرجاء والحب والتوكل فهو كافر بالاتفاق (3)، وما زاد على أصل الخوف والحب والرجاء فهو ما بين واجب ومستحب (4)، ومن دخل الإسلام ولم يعمل شيئاً من أعمال الجوارح مع قدرته ولا مانع وبقائه زمناً فهو كافر بالاتفاق (5)؛ وأفراد (1) قال الفضيل بن عياض : الإيمان المعرفة بالقلب ،والإقرار باللسان ، والتفضيل بالعمل .ا.هـ ( كتاب السنة لعبد الله بن أحمد ( 1 / 347 )) . وقال وكيع : أهل السنة يقولون : الإيمان قول وعمل ا.هـ ( شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة ( 4 / 930 )) . وقال الآجري : اعلموا – رحمنا الله وإياكم – أن الذي عليه علماء المسلمين : أن الإيمان واجب على جميع الخلق وهو تصديق بالقلب وإقرار بالسان وعمل بالجوارح ا.هـ ( كتاب الشريعة ( 2 / 611 ) ) . وحكى الإجماع ابن عبد البر في التمهيد ( 9/ 238 ) وأبو عمرو الطلمنكي كما نقله ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 7 / 330 ، 332 ) .
(2) قال ابن تيمية : فأما الشهادتان إذا لم يتكلم بهما مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين ا.هـ ( مجموع الفتاوى ( 7 / 609 )) .
(3) قال ابن القيم : فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان ، وأنه لا ينفع التصديق ، مع انتفاء عمل القلب ومحبته وانقياده ا.هـ ( كتاب الصلاة ص 54 ). ونقل – أيضاً – اتفاق المسلمين ابن تيمية راجع ( مجموع الفتاوى ( 7 / 550 )) . فإن قيل ما الفرق بين أقوال القلب وأعماله ؟ فيقال: هو ما ذكره الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – فقال : والفرق بين أقوال القلب وبين أعماله : أن أقواله هي العقائد التي يعترف بها القلب ويعتقدها ، وأعمال القلب : فهي حركته التي يحبها الله ورسوله ا.هـ كتاب التنبيهات اللطيفة على ما احتوت عليه العقيدة الواسطية من المباحث المنيفة ص 85 .
(4) قال ابن منده : وقال أهل الجماعة : الإيمان هي الطاعات كلها بالقلب واللسان وسائر الجوارح ، غير أن له أصلاً وفرعاً ، فأصله المعرفة بالله والتصديق له وبه ، وبما جاء من عنده بالقلب واللسان مع الخضوع له والحب له والخوف منه والتعظيم له ، مع ترك التكبر والاستنكاف والمعاندة ، فإذا أتى بهذا الأصل فقد دخل في الإيمان ، ولزمه اسمه وأحكامه ، ولا يكون مستكملاً له حتى يأتي بفرعه ، وفرعه المفترض عليه أو الفرائض واجتناب المحارم ا.هـ ( كتاب الإيمان لابن منده ( 1 / 331 )) .
(5) قد حكى الإجماع جمع من العلماء منهم :
I- الحميدي / أخرجه الخلال في السنة ( 3 / 586 ) رقم 1027 . وذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 7 / 209 ) . =
II- الشافعي / ذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 7 / 209 ) .
III- أبو عبيد القاسم بن سلام / كتاب الإيمان ص 18 ، 19 .
IV- الآجري / كتاب الشريعة (2/ 611) .
V- ابن تيمية / كما في مجموع الفتاوى ( 14 / 120 ) .
ويدل لهذا ما أخرجه الشيخان عن النعمان بن بشير : أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال : "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب " . فإذا كان في القلب أصل الخوف والرجاء والمحبة فعاش زمناً ولا مانع من العمل ، فلا بد أن يظهر أثر هذا الصلاح على الجوارح بمقدار ما في القلب وإلا صار القلب خالياً من أصل الخوف والمحبة والرجاء ، والقلب الخالي من أعمال القلوب قلب كافر بالإجماع – كما سبق -. قال ابن تيمية : ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يصوم من رمضان ولا يؤدي زكاة ، ولا يحج إلى بيته ، فهذا ممتنع ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة ، لا مع إيمان صحيح ا.هـ ( مجموع الفتاوى ( 7 / 611 ) ) . وقال : ثم القلب هو الأصل فإذا كان فيه معرفة وإرادة سرى ذلك إلى البدن بالضرورة ، لا يمكن أن يتخلف البدن عما يريده القلب – ثم ذكر حديث النعمان وقولاً لأبي هريرة ثم قال – فإذا كان القلب صالحاً بما فيه من الإيمان علماً وعملاً قلبياً لزم ضرورة صلاح الجسد بالقول الظاهر والعمل بالإيمان المطلق ا.هـ ( مجموع الفتاوى ( 7 / 187 )) .
وينبغي أن يتنبه لما يلي : 1) أنه لا يستطيع أحد أن يحكم على أحد أنه لم يعمل شيئاً من جنس أعمال الجوارح ، ولكن أهل العلم يذكرون هذه المسألة رداً على المرجئة ، من باب إثبات قوة التلازم بين الظاهر والباطن . والله أعلم .
2) أن الأحاديث التي فيها إخراج أناس من النار ولم يعملوا خيراً قط ، كحديث أبي سعيد عند مسلم ونحوه لا يصح التمسك بها على عدم كفر تارك جنس عمل الجوارح لأمور أربعة :
I) أن عموم هذا الحديث تدخل فيه أعمال القلوب ، فهل من قائل به أخذاً بهذا العموم ؟ فإن قيل بالإجماع خصص أعمال القلوب فكذلك يقال في جنس أعمال الجوارح .
II) أن الاستدلال بهذا الحديث من باب الاستدلال بالأمور المحتملات ، والاحتمال إذا توارد على دليل بطل الاستدلال به ، وذلك أن الذين أخرجوا من النار بغير عمل قد يكونون من الأمم الماضية غير أمة محمد صلى الله عليه وسلَّم إذ النار جامعة لعصاة أمة محمد وغيرهم ، لا سيما وفي بعض الأحاديث كحديث أبي سعيد :" شفعت الملائكة والنبيون " وعليه فالاستدلال بهذا الحديث استدلال بأمر محتمل، ولا يصح لقائل أن يقول : الأمم والشرائع متفقة في المكفرات .
III) أن هناك أحاديث فيها نفي العمل مع ذكر بعض الأعمال في الحديث نفسه ، كحديث أبي سعيد الخدري في الذي قتل مائة نفس ، قالت ملائكة العذاب : لم يعمل خيراً قط " متفق عليه . مع وجود أعمال صالحة عملها كالهجرة ، فصار النفي في هذه الأحاديث ليس نفياً للكل كما أفاده ابن خزيمة في كتاب التوحيد ( 2 / 732 ) . =
IV) الاستدلال بهذا الحديث من الاستدلال بمورد النزاع ، وذلك أن المكفر بترك جنس العمل وغير المكفر متفقان أن هذا الرجل لم يقع في أمر كفري ؛ إذ لو كان واقعاً في أمر كفري لما خرج من النار ، فمن ثم المكفر بجنس العمل يقول : إنه لم يترك جنس العمل ؛ إذ لو كان تاركاً له لما خرج من النار ، والمخالف يقول : بلى هو تارك ومع ذلك خرج من النار لأن ترك جنس العمل ليس كفراً .
فلاحظ – أيها القارئ الكريم – أن الاستدلال بهذا الدليل استدلال بمورد النزاع إذ كل منهما محتاج لأدلة خارجية في تقرير قوله وبيان هل هو كفر أم لا ؟ .
3) حاول بعضهم أن ينسب إلى ابن تيمية عدم التكفير بترك جنس العمل وهذا لا يمكن ألبته لأمرين :
الأول / أن أقواله صريحة كل الصراحة في تكفير تارك جنس العمل كقوله : وقد تقدم أن جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب ا.هـ (7 / 616 ) .
الثاني / أن ابن تيمية ممن يكفر بترك الصلاة ، لكن بالترك الكلي . فكيف يكفر بترك الصلاة ولا يكفر بترك جنس العمل ؟ - راجع مجموع الفتاوى ( 22 / 49 ) ، ( 7 / 617 ) وشرح العمدة قسم الصلاة ص 81 وما بعدها -. والذي أورث هذا الخطأ عند بعضهم : أنه يرى ابن تيمية يقرر أنه يكفي في الإيمان أعمال القلوب ولا يذكر أعمال الجوارح فيظن أن ابن تيمية لا يشترط جنس أعمال الجوارح وهذا خطأ لأن ابن تيمية نفسه يقرر أنه يلزم من وجود أعمال القلوب وجود أعمال الجوارح فذكر اللازم يوجب وجود الملزوم . راجع مجموع الفتاوى ( 7 / 194 ) . ثم لابد من ملاحظة أمر مهم وهو أن هناك فرقاً بين الكلام على ترك جنس العمل وترك أفراد الأعمال فإن كلام العلماء كثيراً ما يكون راجعاً إلى ترك الأفراد لا الجنس ، وإنما يتكلمون عن ترك الجنس عند الرد المرجئة ، وإثبات أن العمل من الإيمان ، وأن هناك تلازماً بين الظاهر والباطن .
0 komentar:
Posting Komentar